--------------------
إن أسعد الناس من يوفق في عبادته لله ـ بعد الإخلاص له ـ للصلاة
على النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإنها من أجلّ العبادات التي يتقرب
بها العبد إلى مولاه , وينال بها مناه في الدنيا والآخرة يقول الله عز
وجل :{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} فأكثروا من الصلاة والسلام على النبي المختار صلى
الله عليه وسلم ؛ يفتحِ الله عليكم أبوابَ رحمته ، ويأتي فضل هذه
العبادة العظيمة في عدة أسباب نورد منها مايلي :
1- أنها سببٌ لرفع مقام العبد:
فعن أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه قال: «أصبح رسول الله صلى
الله عليه وسلم يوماً طيِّب النفس ، يُرى في وجهه البِشْر ، قالوا :
يا رسول الله أصبحت اليوم طيِّب النفس ، يُرَى في وجهك البِشْرُ ،
قال : أجلْ ، أتاني آتٍ من ربي عز وجل فقال : من صلى عليك
من أمتك صلاةً كتب الله له عشرَ حسنات ، ومحا عنه عشرَ سيئات ،
ورفع له عشرَ دَرَجاتٍ ، ورَدّ عليه مثلها». [أخرجه أحمد والنسائي] .
2- أنها سبب من أسباب نيل شفاعته
صلى الله عليه وسلم سواء أكانت الصلاة مستقلةً بذاتها ,
أم مقرونةً بسؤال الوسيلة له صلى الله عليه وسلم
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : من صلى علي حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته
شفاعتي يوم القيامة) . [رواه الطبراني ،
وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير] .
وأيضًا ما جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ
أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إذا سمعتم المؤذن
فقولوا مثل ما يقول , ثم صلوا علي ؛ فإنه من صلى عليَّ صلاة
صلى الله عليه عشراً , ثم سلوا لي الوسيلة ؛ فإنها منزلة
في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله , وأرجو أن أكون هو ؛
فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة).
[أخرجه مسلم في صحيحه] .
وصفة دعاء الوسيلة كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بقوله : من قال حين يسمع النداء : "اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة ،
والصلاة القائمة ، آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة ، وابعثه المقام
المحمود الذي وعدته" , حلتْ له شفاعتي يوم القيامة) .
[رواه البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ] .
ومن الأحاديث التي تحث على الصلاة على نبينا صلى الله عليه وسلم
ما جاء عن عَبْدِ الله بنِ مسعودٍ ، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
قالَ: «أوْلى الناسِ بي يومَ القِيامةِ أكثرُهُمْ عليَّ صلاةً» .
[رواه الترمذي ، وصححه ابن حبان] .
وعن أبي هُريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : «لكلِّ نبيٍّ دعوةٌ فأريد إنْ شاء الله أنْ أختبئَ دعوتي شفاعةً
لأمَّتي يومَ القيامة» . [متفق عليه].
وعَنْه رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله ِ صلى الله عليه وسلم :
«لِكُلِّ نَبِيَ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ
دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأِمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَهِيَ نَائِلَةٌ ـ إِنْ شَاءَ الله ـ
مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِالله شَيْئاً». [رواه مسلم] .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : أعطيتُ خمساً لم يعطَهنّ أحد قبلي ،
وذكر منها الشفاعة . [متفق عليه] .
وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صلى الله
عليه وسلم : «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ
الْقَبْرُ ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ ، وَأَوَّلُ مُشْفَّعٍ». [رواه مسلم في صحيحه] .
ويجب أن نبين أنواع الشفاعة
أنواع الشفاعة : قسم أهل العلم الشفاعة إلى ما يلي :
1- أولها ـ وهي مختصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ـ
وهي الإراحة من هول الموقف بتعجيل الحساب .
2- الشفاعة في إدخال أناس الجنة بغير حساب .
3- الشفاعة في زيادة درجات بعض أهل الجنة .
4- الشفاعة في إخراج بعض من دخل النار من المذنبين
فعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : خُيّرت بين الشفاعة وبين أن يدخل شطرٌ من أمتي الجنة ،
فاخترت الشفاعةَ ؛ لأنها أعمُّ وأكفى . أتُرَونَها للمؤمنين المتقين !! لا ،
ولكنها للمذنبين المتلوّثين الخطائين). [رواه الإمام أحمد وابن ماجة ,
وقال الألباني : صحيحٌ دون قوله : لأنها ..)] .
وأيضًا ما جاء عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه أنه قال : قيلَ يا رسولَ الله
مَنْ أسعدُ الناسِ بِشَفاعَتِكَ يومَ القيامةِ ؟ قال رسولُ الله صلى الله
عليه وسلم «لقد ظننتُ يا أبا هريرة أنْ لا يسألني عن هذا الحديثِ
أحدٌ أوَّلَ منكَ ؛ لِما رأيتُ من حِرصكَ على الحديث ، أَسعدُ الناسِ
بشفاعتي يومَ القيامةِ من قال لا إلهَ إلاّ الله) خالِصاً مِن قَلبِه ،
أو نفسِه» . [رواه البخاري] .
5 - الشفاعة لقوم استوجبوا دخول النار ألاّ يدخلوها .
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي). [رواه الإمام أحمد وأبو داود
والترمذي وقال الألباني حديث صحيح].
ويجب التنويه عن هذا الحديث أن كثيراً من الناس يركنون إلى هذا
الحديث ويتمادون في ارتكاب الكبائرو المعاصي فالواجب على المسلم
أن لا يغلب جانب ما جاء من نصوص الوعد في القران والحديث على
ماجاء فيهما من الوعيد لئلا يفضي به ذلك إلى ارتكاب ماحرمه الله
لقوله عز وجل : {أفَأَمِنُوا مَكْرَ الله فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}.
3 ـ أنها سبب في دفع الهموم وغفران الذنوب ؛
فعن اُّبَيِّ بنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ الله إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا
اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ : «يَا أَيُهَا النَّاسُ اذْكُرُوا الله ، اذْكُرُوا الله ، جَاءَتْ الرَاجِفَةُ
تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ، جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ ، جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ» . قَالَ أُبَيٌّ :
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي ؟
فقَالَ : «مَا شِئْتَ» ، قال : قُلْت الرُّبُعَ ؟ قَالَ : «مَا شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ
خَيْرٌ لَكَ» . قُلْتُ : فَالنِّصْفَ ؟ قَالَ : «مَا شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لكَ» .
قال : قُلْتُ : فَالثُّلُثَيْنِ ؟ قَالَ : «مَا شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ» ، قُلْتُ :
أَجْعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلّهَا ؟ قَالَ : «إِذَا تُكْفَى هَمَّكَ ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ» .
[أخرجه الإمام أحمد والترمذي ، وحسنه الألباني] وفي روايةٍ للإمام
أحمد : (إذن يكفيك الله ـ تبارك وتعالى ـ ما أهمَّكَ من أمرِ دنياك وآخرتك) .
وإن من أفضل الأوقات التي يصلى فيها على رسول الله صلى الله عليه
وسلم هو يوم الجمعة وكل الأوقات مستحبه فيها
( خاصة في الصباح والمساء ) .
وذلك ما جاء عن أَوْس بن أَوْس ضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : «إنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُم يومَ الجُمُعَةِ، فِيهِ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ
، وَفِيهِ قُبِضَ، وفيه النَّفْخَةُ، وفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ فِيهِ ،
فَإِنَّ صَلاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ». قَالُوا : وكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاتُنَا عَلَيْكَ وقَدْ أَرَمْتَ
؟ فَقَالَ : «إنَّ اللَّهَ جلَّ وعَلا حَرَّمَ عَلَى الأرْضِ أنْ تَأْكُلَ أجْسَامَنَا».
[رواه ابن حبان في صحيحه وصححه الألباني]